بات من المعروف إن الإعلام في مختلف أنحاء العالم ليس محايدا، فالجميع يدرك هذا فكل المضامين الإعلامية التى تحتويها (الرسالة) أيا كان نوعها مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أو خليط بين ذلك تخضع للتصنيع و المعالجة لتوظيفها وفق توجهات معينة انطلاقا من إنتقاء الوسيلة وصولا إلى مرحلة إنتاج الأخبار التى تصل إلى الجمهور المتلقي من خلالها حيث يتم اختيار أخبار بعينها من بين مئات الأخبار اليومية و كذلك الحيز المكاني في الصحف و المدة الزمنية في الإذاعتين المسموعة و المرئية المخصصة لكل خبر و كذلك الحال في اختيار عناوين الأخبار و المحللين و أشياء أخرى.
و هذا مايعرف بإعادة تكوين المادة الأخبارية فتكون بمثابة مادة خام و مايضيفه المحرر محسنات تهدف للوصول إلى هدف ما إذا ما يمر عبر الصحف المقروءة و القنوات المسموعة و المرئية و الوسائط الجديدة ليس خبر أو حدث خام كما أتى من المصدر بل تتم إعادة تكوينه و تدويره عبر بوابات التصفية و التعديل و الإضافة و هذا ما يشار إليه بنظرية حارس البوابة الإعلامية.
في ذات الإطار ماتقدم يحدث حتى في إنتاج الإفلام الوثائقية من خلال تكوين بنية النص و تحويله إلى سيناريو و فيه تتجسد قناعة صادرة عن اعتقاد و رؤية المخرج أو المنتج أو صاحب الوسيلة الإعلامية ، ففي مثل هذه الأعمال يتم اختيار جزئيات معينة من المشاهد أثناء عملية التحرير الإلكتروني (لمونتاج)لخدمة وجهة النظر التى يتبنها المخرج أو كاتب العمل على سبيل المثال لا الحصر يعدل أو يضيف صورة أو يحذف أخرى كما يتم إضافة المؤثرات الصوتية و البصرية لذات الغرض السابق و التى تتحكم في طريقة تلقي المشاهد للمادة الإعلامية.
يكون هذا واضحا و جليا في الأعمال الدرامية حينها يظهر التصنيع من خلال الفكرة و الحبكة و العقدة و الحل و الصراع و الشخصيات إن صانع الأفلام يسيطر على عملية إنتاج صور الشخوص و مظهرهم التى تقدم من خلال فلم معين ففي تلك الوجوه يرتسم الخير و الشر، الجبن و الشجاعة، القسوة و اللين طبقا للصورة التى تتطلبها المعالجة الدرامية.
لهذا تلجأ الكثير من وسائل الإعلام إلى عدم الافصاح عن الممول الحقيقي لها فمعرفة عقيدة الممول و منطلقاته الفكرية تظهر أسباب صناعة المضمون على هذا النحو أو ذاك في حال تم مطابقتها مع بعضها البعض.
الصورة وعاء الهيمنة الجديد في وسائل الإعلام
بلا شك إننا نحيا في ظل هيمنة الصورة فإذا كنا نريد تحقيق السيطرة لوسيلة ما لابد من توافر الصورة لما لها من أهمية بالغة في التأثير على الجمهور.
تشير بعض الدراسات إلى أن حاسة البصر من أهم حواس الإنسان في امتلاك المعلومات تكمن قوة الصورة في مدى مصداقيتها و على تعبير المثل المعروف من رأى ليس كمن سمع
تمتلك الصورة أهميتها كونها حقيقة حسية تختلف عن الكلمات التى تتسم في أغلب الأحيان بالعمومية و التجريد النص المكتوب أو المسموع قابل لتفكيك و إعادة بنائه ذهنيا الأمر الذي يدعم عملية إخضاعه لتقييم بينما الصورة تمرر كدفعة واحدة تحوي عدة رسائل ذات دلالات و معاني في آننا واحد.
الصورة تلبي منطق الاختيار فالصور التى تشاهدها عبر التلفاز أو بعض شبكات التواصل الاجتماعي مختارة بعناية من بين عدة صور لنفس الحدث فمن بين العوامل التى تسهم في تكوين أثر الصورة نوعية المؤثرات البصرية و السمعية المستخدمة بانتقاء دقيق و كذلك اختيار زمن عرض الصورة.
طبقا لما سبق تستعمل الصور في التحايل على الجمهور مثل استخدام الصور الأرشيفية بحيث تعرض مع حدث جديد يتفق مع سياق الخبر أو الموضوع...
إن عملية انتقاء صورة ما دون غيرها يوحي بانطباع خاص، و بناءا على ماتقدم ظهرت ثقافة الصورة حيث أصبحت الصورة تؤثر على الناس بشكل كبير و قد تسهم إلى حد كبير في فصلهم عن الواقع الحقيقي الذي يحدقون فيه من خلال الصورة...
و في نفس السياق استطاعت الصورة أن تمارس هيمنتها على السلوك الإنساني (الجمهور المستقبل) من خلال تركيزها على عنصر الجذب و الابهار خاصة في ترويج السلع الاستهلاكية و كذلك الحال في ترويج الأفكار إلا أن الأسلوب يختلف من موضوع إلى أخر ...
تمكنت الصورة من إلحاق قناعات و تجارب إلى وعي الجمهور المستقبل من خلال عرض تجارب لم يخض الجمهور تفاصيلها من قبل سواء كانت هذه القناعات صائبة أو خاطئة سلبية أو إيجابية.
فالصورة تدمج المتلقي فيها و تهيمن على تفكيره و تأثر عليه بشكل أو بأخر لخدمة وجهة نظر محددة من زاوية معينة.
بقلم :
✍️ أ.. أحمد الصويعي
19 مارس 2020