لامناص من الابتداء بقصة حصان طروادة التى تناقلتها الذاكرة جيلا بعد جيل للتأمل في معانيها و دلالاتها العميقة، وفقا لما ورد في الأدب اليوناني الإغريقي المعروفة بالإلياذة حيث دشن الحصان الخشبي لحقبة سياسية جديدة مملوءة بالمكر و الخداع و التآمر..
لم تكن هي الأولى من نوعها عبر التاريخ الممتد، و لكنها الأغرب من حيث الوقائع و نسج خيوط المؤامرة، كل ذلك من أجل هزيمة العدو هزيمة ساحقة تبدأ من داخله للقضاء عليه.
ستظل هذه القصة الشاهد الذي يستعصي معه الحديث بلغة التعيين القاطع حول السقف اللامحدود للخداع و المؤامرات دون التعسف في تأويل النص الذي يروي فصوله هوميروس في الإلياذة عن تلك الحرب التى اشتعلت في مدينة طروادة القديمة القريبة من مضيق الدردنيل..
فطروادة تقع غرب تركيا كانت العدو اللدود لليونان بالإضافة الى كونها المنافس التجاري الأقوى ـ مدينة طروادة كانت تحت إمارة الأمير هيكتور و الأمير بارس حيث كان الأخير سببا أساسيا في نشوب الحرب بين الطرواد و اليونانين الإغريق..
عندما قام بارس بزيارة عاصمة الأغريق إسبارطة على حين غرة، أصدر بارس تعليماته لحراسه بخطف الأميرة هيلين زوجة منيلاوس ملك إسبارطة و سيد الإغريق شقيق أجاممنون اتريوس، كل ذلك حصل دون أن يتوقع حراس الإغريق شرا من ضيفهم بارس الذي هرب بالأميرة إلى طروادة وأمر بإغلاق الأبواب و المداخل حيث تحصن الطرواد بأسوارهم المنيعة..
وفي رد فعل متوقع قام الأغريق بتجهيز جيش بكامل العدة و العتاد للانقضاض على المدينة و هدمها على رؤوس الطرواديين و تخليص الأميرة المختطفة هيلين..
دارت حرب حامية الوطيس بين الطرواد و الإغريق استمرت عشر سنوات تقريبا لم يتمكن خلالها جيش أجاممنون شقيق ملك الإغريق من هزيمة بارس، فانتهى تفكير الإغريق الى تدبير خدعة لم يسبقهم إليها أحد من قبل بعدما استبد بهم اليأس لعدم فاعلية الحل العسكري، لذلك درسوا عادات أهالي طروادة و تقاليدهم فتوصل إلى أنهم يحبون الخيول لدرجة تقديسها، فصنع الإغريق حصانا خشبيا ضخما يستوعب عشرة جنود أقوياء من الإغريق، سار جيش أجاممنون منسحبا من المعركة اتجاه الجبال تاركا خلفه الحصان الخشبي الذي أدخل إلى قلب طروادة من قبل أهلها،
وبينما الإغريق يراقبون الأوضاع من بعيد بدأ الطرواد في الاحتفال بالنصر و احتساء الخمر و الرقص ظنا منهم أن الإله تمثل في هيئة الحصان الكبير فصرف عنهم شر الغزاة..
جاء الليل و خرج الجنود الإغريق من داخل الحصان وفتحوا الأبواب أمام أجاممنون و جيشه ،فتمكنوا من تخليص الأميرة هيلين، أثخن الإغريق في قتل أهل طروادة، و اضرموا النار في مختلف أرجاء المدينة و قبضوا على بعض سكانها كأسرى...
كل ذلك تحقق بالخدعة الفريدة من نوعها في ذلك العصر و التى سجلها التراث اليوناني للإنسانية لتبقى درسا تاريخيا تستشهد به الأمم و الشعوب في مختلف العصور للتدليل على الخداع و التآمر..
لهذه القصة أكثر من دلالة في تاريخنا المعاصر فها هم أعداء الأمة العربية الأتراك و غيرهم يجددون ثوب دخولهم لبلداننا تحت مسميات و حجج جديدة فأين نحن من حصان الثورات العربية الذي أتى على الأخضر و اليابس في بعض الدول فخرب نسيجها الاجتماعي و دمر اقتصادها و جعلها مرتعا للإهارب و التطرف كما هو الحال في ليبيا اليوم..
ألم يحن الوقت للاستيقاظ من هذه الغفلة و معالجة ما يمكن علاجه و تدارك الأمر قبل فوات الآوان، لقد خدع بعض الناس بشعارات محملة بالخير و الرخاء و في جوفها الخراب و الدمار، فالحالة الليبية الراهنة تستدعي إيجاد العقل الجمعي القادر على جمع الإرادة الوطنية العامة، و لملمة الذات الوطنية، و تضميد جراح الوطن بعيدا عن لغة التعالي و التجاهل من أجل قطع الطريق على القوى المعادية للسلام و الاستقرار فكلنا مضروبون بعصا واحدة..
إن إلتئام الإرادة الوطنية الحرة و الصادقة وحدها هي القادرة على كسر المعادلات النفسية و السياسية المعقدة من أجل الانتصار لذواتنا و الإنسانية ...
فالمجتمع الليبي يعيش في لحظة مد وجزر سياسية أمواجها مصطنعة و مؤثراتها خارجية وسط صراع دولي على المصالح و النفوذ، وقد باتت بلادنا مسرحا لهذا الصراع المحموم بين روسيا و فرنسا الإمارات من جهة و تركيا و قطر و من خلفهم من جهة أخرى و أدواتهم المنفذة...
في ظل ماتقدم ينبغي التفكير في سبل الخروج من عنق الزجاجة التى حشرنا فيها عنوة للوصول إلى أفضل الحلول و انجعها لحقن الدماء، و لن يتحقق ذلك إلا برفع منسوب الوعي العام لدى المجتمع، لمجابهة تحديات المستقبل و المصير من خلال تقديم مشروع مجتمعي وطني يعطي طمأنة للجميع بأنه ليس مشروع فئة أو قبيلة أو جهة ما، إنما مشروع هو يتسع ليشمل الوطن بكل مكوناته الاجتماعية