#مقالات
لماذا بكى الأفارقة القائد الليبي معمّرالقذافي ؟؟
✍️ د . اشتيوي الجدي
كثيرة هي الدلالات ذات المصداقية التي تبرهن على أن رحيل القائد الليبي معمّر القذافي شكّل خسارة لإفريقيا، إذ أنه كان عنصر أساسي في المشهد الإفريقي، وأكبر مدافع عن الأفارقة في المحافل الدولية.
فمنذ توليه مقاليد قيادة ليبيا في الأول من سبتمبر عام 1969، وحتى مغادرته الدنيا شهيداً يوم 20 أكتوبر 2011 ظل القائد الليبي معمّر القذافي عنصراً بارزاً في المشهد الإفريقي، فقد توجّه مبكراً نحو أفريقيا رافعاً شعارات “أفريقيا للأفريقيين” وأن “لا حلف لأفريقيا إلا مع نفسها” مؤكداً على أهمية ودور القارة الإفريقية في العالم.
حيث لعب القائد الليبي معمّر القذافي دوراً هاما داعم لحركات التحرر الافريقية التي كانت تناضل من اجل استقلال بلدانها من الإستعمار، منها على سبيل المثال لا الحصر أنغولا، وزيمبابوي، وجنوب إفريقيا، وناميبيا، وبيساو، واوغندا، ومالاوي، والرأس الأخضر، وموزنبيق.
ناهيك عن دوره الريادي في نشر الدين الإسلامي في ربوع افريقيا، والزام حكومات بعض الدول الافريقية بقطع العلاقات الدبلوماسية التي كانت قائمة بينها وبين دولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وتحشيد الأفارقة لنصرة القضية الفلسطينية، هذا وتُوجت جهود القائد الليبي معمّر القذافي الأفريقية بنجاحه في تأسيس تجمع دول الساحل والصحراء عام 1989، كما بذل عقب ذلك جهوداً حثيثة لتطوير منظمة الوحدة الأفريقية وتحويلها إلى الإتحاد الأفريقي، وهو ما نجح فيه بالفعل في قمة سرت للقادة الأفارقة التي عقدت في 9 سبتمبر 1999 والمعروف بإعلان سرت1999.9.9، وظلت ليبيا طوال سنوات قيادته تدفع الالتزامات المالية المستحقة على العديد من الدول الأفريقية الفقيرة تجاه الإتحاد الأفريقي.
فضلاً عن تأسيس الشركة الليبية الإفريقية للاستثمار والتي غطت استثماراتها دولاً إفريقية عديدة من بينها الغابون, الكونغو, بوركينا فاسو، النيجر، مالي، غينيا، تشاد، أوغندا، بنين، ليبيريا، أثيوبيا، مدغشقر، أفريقيا الوسطى، جنوب إفريقيا، زيمبابوي، زامبيا، رواندا، غامبيا، غانا، التوجو، جزر القمر، الكونغو الديمقراطية، إضافة إلى موريتانيا.
ومعروف أن القائد الليبي معمّر القذافي فتح أبواب ليبيا على أفريقيا بصورة واسعة، وفي المقابل وجد في إفريقيا كل الدعم والمساندة لسياساته في أحلك الظروف، وصار القائد الليبي عنصراً أساسياً في المشهد الإفريقي، حيث كان يرعى مباحثات السلام في افريقيا، ويسعى إلى قيام دولة الولايات المتحدة الأفريقية، وبفضل إرادته وإصراره مع بعض قادة إفريقيا المخلصين أصبحت القارة تحظى بمجلس للسلم والأمن يتدخل لفض النزاعات الإفريقية بعيداً عن التدخل الأجنبي.
وكانت دبلوماسيته في أفريقيا أداة لسياسة الوئام وتخفيف المجاعات، ووقف المجازر والمذابح, وإطفاء نيران الحروب، وبذلك أضحى القائد الليبي معمّر القذافي زعيم أفريقيا القوي وأسدها الجسور فواجه باسمها وتحدى بإسمها ودافع عنها في كل المنابر، ليصل بها إلى منصة منظمة الأمم المتحدة، حيث وقف متحدثا باسم 53 دولة افريقية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 سبتمبر 2009 بصفته رئيساً للإتحاد الأفريقي، مطالباً بتعويضات قدرها (7 ترليون و770 مليار دولار) لإفريقيا من مستعمريها السابقين، ومنحها مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.
وعلاوة على هموم القارة الافريقية وقضاياها، تحدث القائد الليبي معمّر القذافي عن هموم الشعوب المقهورة والمستضعفه والمسحوقة في ارجاء الدنيا، وحاول ان يُسمع للإنسانية صرخات شعوب كثيرة في وجه الأمبرالية العالمية متهماً حكومات الدول الغربية الكيل بأكثر من مكيال في الشؤون الدولية وخاصة ما يتعلق بالعرب والمسلمين.
وإلى جانب العمل السياسي مع رؤساء الدول قام القائد الليبي معمّر القذافي برحلات لآلاف الكيلومترات في الصحراء والأدغال تجاوزت الـ 30 الف كم زار فيها مدناً وقرى ومناطق لم يدخلها حتى رؤساء نفس الدول وجلس مع هذه الشعوب وأطلع على ثقافاتهم وأكل من أكلهم وأرتدى ملابسهم، وكان يدعوهم ويستنهض هممهم ويحاضر فيهم في الميادين والساحات ويبعث فيهم الأمل لفجر جديد يطل على أفريقيا لـكى تثق في نفسها وتعبىء طاقاتها وتتخلص من الفقر والمرض والجهل، وتملك زمام أمرها فلا تعود للعبودية والإستعمار من جديد.
وبالفعل جمعت ليبيا 144 طن من الذهب وكان القائد الليبي معمّر القذافي يسعى لصك الدينار الذهبي عملة موحدة وتأسيس مصرف مركزي افريقي.
ومن هنا استطاع القائد الليبي معمّرالقذافي بجدارة انتزاع مكانة يمكن وصفها بالسامية لدى الأفارقة، فــ معظم القادة والآلاف من النخبة والساسة في إفريقيا كانوا ينظرون إليه بكثير من التقدير والاحترام، كما أن قطاعات واسعة من الجماهير الإفريقية، نظرت إليه نظرة إكبار وإجلال دائم، وأيدت شعاراته المناوئة لمخططات حكومات الدول الغربية الاستعمارية، وتمجيده المتزايد لمقولات الوحدة الإفريقية.
في الختام، إذا كان يحق التساؤل لماذا بكي الأفارقة القائد الليبي معمّرالقذافي، ولماذا القائد الليبي وحده دون غيره من ملوك ورؤساء وامراء الدول العربية؟
فلا شك أن الاجابة عن تلك التساؤلات لا تنفصل عن ربطها بشكل مفصلي مع حجم المسؤولية التي كانت على عاتقه لقد كان لديه رؤية عظيمة لإفريقيا وصار بها إلى قمة الجبل في وقت شهد غياب أي توجه عربي جاد تجاه إفريقيا، فمنذ رحيل الزعيم المصري جمال عبد الناصر تراجعت إفريقيا في دائرة الاهتمام العربي، ليجد القائد الليبي معمّرالقذافي نفسه أمام هذه المسؤولية العربية والإسلامية تجاه إفريقيا.
لأجل ذلك سكن القائد الليبي معمّرالقذافي قلوب الملايين في إفريقيا، وفي كل بقاع العالم لأنه كان بطلها ورمزها الذي يعبر عن مشاعرها وعن آمالها، وكان يكافح من اجل تطلعاتها نحوالمستقبل.
لذا، بإستشهاد القائد الليبي معمّر القذافي فقدت افريقيا سنداً قوياً يستحق ان يدرف الأفارقة الدموع على غيابه، حيث عبرت حكومات وأنظمة سياسية ونخب وزعامات سياسية ودينية وقبلية عن عميق حزنها على رحيله.
لقد عاش القائد الليبي معمّر القذافي من أجل خدمة الإنسانية جمعاء لقد تجلت الإنسانية لديه من خلال أفكاره وأعماله فكان معلماً قبل أن يكون قائداً فمن خلال ذلك عاش وتحرك وقاد لو كان العمر يقاس بالأعمال فسيحسب عمره بآلاف السنين .