اهم الاخبار

منصات جماهيرية ..لماذا رفضت إسقاط القذافي

بقلم : ⁦✍️⁩ د. أدريس آيات 17 مارس 2020

جامعة الكويت - قسم العلوم السياسية

⁦في فبراير 2011، إبّان ما سمي بالربيع العربي. اتّهم القذافي بقتل شعبه ، وأنّه قصف 10 ألاف قصفهم جويًا وخاصةً أهل بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية فقامتْ الأمم المتحدة بالسماح لإعلان منطقة" No Fly Zone"، منطقة خالية من الطيران وليس السماح الدخول في حرب لكن حلف شمال الأطلسي" الناتو"، حوّلها إلى حرب لإسقاط وقتل معمر القذافي..
إذا ما هي الأسباب الحقيقية لإسقاط نظام القذافي .. هي ثلاثة اسباب حسب البروفسور بوغالا، في كتابه جيوإستراتيجية أفريقيا:

١- : السبب الأول هو "القمر الصناعي الأفريقي الأول" "راسكوم RASCOM"
إن ليبيا القذافي هي التي قدمتْ لجميع أفريقيا ثورتها الحقيقية الأولى في العصر الحديث، وهذه الثورة هي: ضمان تغطية شاملة للقارة الأفريقية للاتصالات الهاتفية والتلفزيون والبث وغيرها من التطبيقات الأخرى مثل الطب عن بُعد والتعليم عن بعد. وهكذا ولأول مرة، يتوفر اتصال منخفض التكلفة في جميع أنحاء القارة ، حتى في المناطق الريفية بفضل نظام الجسر اللاسلكي المسمى "WMAX". تعود الحكاية إلى عام 1992 عندما أسستْ 45 دولة أفريقية شركة RASCOM للحصول على قمر صناعي وخفض تكاليف الاتصالات في القارة. إِذْ يُعدّ الاتصال من وإلى إفريقيا أغلى تعريفة في العالم، لأنّ ثمة ضريبة بقيمة 500 مليون دولار تحصل عليها أوروبا سنويًا على المحادثات الهاتفية حتى داخل نفس الدولة الأفريقية. ذلك لأنّ نقْل الأصوات عبر الأقمار الصناعية تمرّ على جسور لاسلكية أوروبية، كشركة "إنتلسات". بالمقابل، إنشاء قمر صناعي أفريقي سيكلف فقط 400 مليون دولار ولمرةٍ واحدة، ولنْ تعدْ أفريقيا تدفع 500 مليون لأوروبا. أي مصرفي أفريقي لن يموّل مثل هذا المشروع؟!
لكن المعْضلة في هذه المعادلة التي يجب حلها هي: كيف يمكن للعبد " أفريقيا" أن يحررّ نفسه من الاستغلال الذريع لسيده " أوروبا"، المدهش هو أنّ التحرر سيتم خلال طلب مساعدة اقتصادية من أوروبا في تسبيل تحقيق هذا التحرر؟! ليستْ مفاجئة، أنّ كل طلبات القرْض التي قدمتْها شركة راسكوم إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي قد قوبلتْ بالرفض حينًا، وبطلب المهلة للنظر في الموضوع حيناً آخر. وطالتْ هذه المهلة لمدة 14 عاما دون نتيجة. كما أكدّه البرفسور "جان بول بوغالا"، في كتابه، جيواستراتيجية أفريقيا، توم1.حتى عام 2006، حين وضع القذافي حداً لعذاب المتسولين الأفارقة عند أسيادهم. حيث وضع الزعيم الليبي على الطاولة 300 مليون دولار، وخصّص بنك التنمية الإفريقي 50 مليون دولار ، وبنك التنمية في غرب إفريقيا، 27 مليون دولار، وبفضل قذافي عرفتْ أفريقيا منذ 26 ديسمبر 2007. أول قمر صناعي للاتصالات في تاريخه. ويجدر الذكر أنّ خلال تحقيق هذا المشروع، سمحتْ الصين وروسيا، هذه المرة بالتخلي عن تكنولوجيتها، والسماح بإطلاق أول قمر صناعي أفريقي بإدارة خبرائها، وبمساهمة جنوب إفريقيا وأنغولا والجزائر. وتمّ إطلاق قمرٍ صناعي إفريقي ثان في يوليو 2010. ويؤكدّ الخبراء أنّه مع 2020 ، سيطلق أول قمر صناعي إفريقي بنسبة 100 % مبنيّ على أرض إفريقية ، وهي الجزائر.( لذلك ما يحدث الآن في الجزائر مهم لمستقبل كل أفريقي). يهدف هذا القمر الصناعي إلى التنافس مع أفضل الأقمار الصناعية في العالم، لكن بتكلفة أقل ب 10 مرات. وحسب المراقبين يمثل تحديًا حقيقيًا. لكنّه على قيد التنفيذ.
وكما رأينا هكذا يمكن بلفتة رمزية بسيطة من 300 مليون غيّر القذّافي حياة قارة بأكملها. وهكذا خسر الغرب، ليس فقط 500 مليون دولار في السنة ولكن مليارات الدولارات من الديون والفوائد التي ستوّلد مع السنوات ديونًا أخرى بلا حدود، مما يساهم في تركيع أفريقيا وإبقائها تحت رحمة وإرادة أوروبا. وهذا قَدْ يفسّر لكم بعض الحقد على القذافي. مالذي يشرح بقية الحقد؟ الإجابة تأتينا من السبب الثاني.
. السبب الثاني. "صندوق النقد الأفريقي ، البنك المركزي الأفريقي ، بنك الاستثمار الأفريقي"
نذْكر كلنا ال 30 مليار دولار التي استولى عليها الرئيس " باراك أوباما"، هو مبلغ تخص البنك المركزي الليبي، والمخطط له للمساهمة الليبية في وضع اللمسات الأخيرة لبرامج الاتحاد الأفريقي من خلال 3 مشاريع رئيسية: البنك الأفريقي للاستثمار في سرت بليبيا ، وإنشاء صندوق النقد الأفريقي 2011 برأسمال 42 مليار دولار مع ياوندي، عاصمة كاميرون كمقرٍ له - وثالثًا ،البنك المركزي الأفريقي. وسيكون مقرّه في أبوجا، عاصمة نيجيريا الذي كان مع صدور أولى عملتها سيضع حدًّا لطغيان عملة فرنك سيفا CFA ، العملة التي لسببها ركَّعت فرنسا بعض الدول الأفريقية لمدة 50 عامًا. وبدعمٍ من البنك المركزي الليبي الذي يحتوي على 150 طنًا من الذهب. وسييسمّى "الدينار الذهبي". هي خطوة لو نجحتْ ستسقط أرباح كل ملاّك البنوك الغربية في القارة الأفريقية بفوائدها التي لاتنتهي أبدًا. وهذا ما يفسر حقْد وغضب باريس على القذافي. بل رأينا أنّه ولأول مرة تقود فرنسا حلف الناتو، لتشنّ حربًا على دولة عربية إنجلوفونية. بل الرئيس الفرنسي " نيكولا ساركوزي"، الملعون، أصرّ على أنْ يقتل، حينما طالب " عبد الله واد" رئيس سنغال بأسره.
كان يهدف صندوق النقد الأفريقي أن يحل محل جميع الأنشطة التي يقوم بها صندوق النقد الدولي على الأراضي الأفريقية والتي تمكنت برأسمال 25 مليار دولار فقط تركيع وإخضاع قارة بأكملها بخصخصة مشكوكة فيها، مثل إلزام البلدان الأفريقية للانتقال من الاحتكار العام إلى الاحتكار الخاص. وقد قدّمتْ الجزائر 16 مليار دولار كمساهمة رأسمالية للصندوق النقد الأفريقي هذا، وليبيا القذّافي 10 مليار، ودولة نيجيريا 3 مليار، قدّمتْ هذه الثلاثة قرابة 62% من إجمالي المبلغ الذي هو 42مليار. المفارقة أنّ نفس الدول الغربية هي التي طرقتْ الباب لتصبح أعضاءً في الصندوق النقد الأفريقي. ما أعجبني أنّه بالإجماع رفضتْ القارة وذلك في 16-17 ديسمبر 2010 في ياوندي ، قائلين إن الدول الأفريقية فقط من ستكون أعضاء في هذا الصندوق. من الواضح أنه بعد ليبيا سيعلن التحالف الغربي حربه القادمة على الجزائر ، لأنه بالإضافة إلى موارد الطاقة الهائلة ، فإن هذا البلد لديه احتياطي نقدي قدره 150 مليار يورو. ما قَدْ يغذي أطماع جميع البلدان التي قصفتْ ليبيا وقتلتْ زعيمها القذافي.
لذا، يمكننا بكل سهولة التنبؤ، أنّ هدف فرنسا القادم نيجيريا، والجزائر، يتوجب علينا حمايتهما.

السبب الثالث: المنظمّات والهيئات الإقليمية باعتبارها عقبة أمام إنشاء الولايات المتحدة الأفريقية:
لزعزعة استقرار وتدمير الاتحاد الأفريقي ( الذي يمثّل خطرًا للغرب)، والذي كان يهدف في المدى البعيد، أنْ يتحوّل إلى الولايات المتحدة الافريقية مع القذافي في الزعامة. حاول الاتحاد الأوروبي لأول مرة، ودون جدوى ،إنشاء كيان مستقل، بمسمى "اتحاد الدو المطلّة على المتوسط"( UPM)،حيْثُ من الضروري على الاطلاق قطع دول شمال أفريقيا عن بقية أفريقيا، من خلال تسليط الضوء على نفس النظريات العنصرية للقرني 18-19 التي تتضمن أنّ الشعوب الأفريقية من أصولٍ عربية أكثر تقدما، وأكثر تحضرا من بقية القارة. الغرض من هذا تشتيت شمل القارة، بقطع شمالها منها. الرائع هو أنّ الذي تفطنّ لهذه اللعبة السياسية هو قذافي، فشّل القذافي هذه الخطوة ورفض الانضمام لهذه المنظمة. فسرعان ما فهم اللعبة من لحظة تحدّثهم عن البحر الأبيض المتوسط وتشكيل كيان لعدد قليل من البلدان الأفريقية دون إبلاغ الاتحاد الأفريقي، المفارقة أنّه تم دعوة كل ال 27 دولة في الاتحاد الأوروبي. وهكذا دمّر القذافي هيئة" UPM" ومخططها حتى قبل أن تبدأ، وقال إنّه لنْ ينضم إلى أي كيان دون أنْ يكون المحرك الرئيسي هو الاتحاد الأفريقي. وكانوا يهدفون إلى أنْ يجعلوا من نيقولا ساركوزي رئيسًا للهيئة وحسني مبارك نائبًا للرئيس.( قمة الفكاهة).
من المهم أنْ نذكر أنّه طالما يمّول الاتحاد الأوروبي ميزانية الاتحاد الأفريقي، فلنْ يكون ثمة استقلالٌ حقيقي. وسوف نكون دائما في نقطة البداية، لأنه وفي مثل هذه الظروف، لن يكون هناك استقلال فعلي. واستنادًا إلى ما سبق، يمكننا مقارنة بقية التجمعات الأفريقية أيضًا، " سيدياهو"، " أكواس"، وغيرها من التجمعات الإقليمية. فقد شجع الاتحاد الأوروبي وموّل بعض التجمعات الإقليمية في أفريقيا. الغريب أنّ منظمة سيدياهو لها سفارة في بروكسيل، عاصمة بلجيكا. وهذا يشكل عقبة كبيرة ضد أهداف الاتحاد الإفريقي. ومن قرأ تاريخ أمريكا، يجد أنّ هذا ما حاربه الرئيس الأمريكي" أبراهام لنكولن" في الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه من لحظة تكوّن فيها مجموعة من البلدان كيانًا مستقلاً ويلْتفون حوله كمنظمة سياسية إقليمية، يضعّفُ سيتيماتيكيًا الجسد المركزي للأمة. وهذا ما تريده أوروبا، بتأييدها تشكيل منظماتٍ، ك" الكوميسا"، يوديآك"، منظمة سادك"، و" تكتل دول المغرب الكبير". الزعيم الأفريقي الوحيد الذي تفطنّ لكلّ هذا هو معمّر القذافي.
القذافي هو من قام بتأميم حقول النفط الليبية، والقذّافي هو الذي اكتشف آبار المياه العذبة في جوف أراضي ليبيا، ما سمّي ب" الذهب الأزرق"، 500 ميل من الرمل الحجري النوبي لطبقة المياه الجوفية، المصدر الوحيد في كل شمال أفريقيا للمياه العذبة. وكانتْ ليبيا ستجني منها مليارات الدولارات. لذا الشركات الأوروبية لايمكنها السماح بهذا التنافس في سوق المياه- بالمناسبة كل الدراسات تؤكد أنّ المياه سيكون سببًا للحروب في المستقبل-، وهذا الذي أكّده سيف الإسلام بن القذافي. فهناك شركتان فرنسيتان متخصصتان في مجال المياه، وهما: "فوليا" و "السويس إس إيه"، وأرادتا السيطرة على اكتشافات ليبيا وإبرام صفقات، ما رفضه القذافي، وهذا أحد أسباب قتله. ساذجٌ من أوهم أنّ السبب التدخّل الإنساني، أو نشر الديمقراطية.

أحد تبريرات قتله أنّه جنّد مرتزقة سود من دول الجوار، لقتل أهل بنغازي. المضحك أنّ هذا التصريح ينمّ عن جهل الغرب بالداخل الليبي. ففي جنوب ليبيا مواطنون سود البشرة وهم مواطنون أصليون يدعون" التبو"، وهم من حملوا السلاح مع القذافي. أمّا كونه قتل 10.000 من أهل بنغازي، و55 ألف جريح في شهر. لا يحتاج إلى علم في الرياضيات لتعلم أنّها كذبة. لأنّه يتطلب أن يقتل 300-400 كل يوم، وهذا أدولف هتلر النازي وحده من استطاع هذا، واحتاج إلى فورن ليحرق اليهود بهذا العدد.

الخاتمة: والدرس للقارة الأفريقية:
جاء في تأكيد تحليلي هذا، تقرير من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني. التقرير يستخلص استنتاجًا معاكسًا تمامًا للإدعاءات والأكاذيب الغربية للتدخل في ليبيا. تم نشر التقرير في 6 سبتمبر 2016 ، لكن وسائل الإعلام الرئيسية لم تهتم به أو تجاهله تمامًا. وقد بدأ التحقيق في يوليو 2015 في دور المملكة المتحدة في حرب ليبيا. استغرق أكثر من عام من الأبحاث والمقابلات ، معظمها من قبل السياسيين والعلماء والصحفيين. كما أنّ الصحفي الأمريكي "بنيامين "بن" نورتون" نشر في 16 سبتمبر 2016 ، على بوابة الأخبار الأمريكية "صالون" ، ملخص لتقرير البرلمان البريطاني، وقال فيه: "بعد تحقيقاتنا لم نتمكن من رؤية أي دليل بشكل من الأشكال أن الحكومة البريطانية أجرت تحليلًا مناسبًا فيما يتعلق بطبيعة أعمال الشغب في ليبيا" ، وأضاف أن الحكومة البريطانية "اعتمدتْ استراتيجيتها على افتراضات خاطئة وفهم غير كامل لملف الأزمة في ليبيا". أضاف التقرير أنّه "بالتأكيد هدد معمر القذافي باستخدام العنف ضد أولئك الذين يحملون السلاح ضد نظامه، لكن هذا ليس بالضرورة تهديدًا لجميع سكان بنغازي". علاوةً على أنّه قامتْ الجماعات الإرهابية باختراق المتمردين إلى حد كبير كتنظيم القاعدة مثلاً. وورد في التقرير" أنّه تبينتْ أنّه في بعض الحالات أن الزعيم الليبي مضى "بحذر شديد" لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين، بل أثبتتْ إحدى حالات التحقيقات أنّه "سعى القذافي لمدة ستة أشهر لاسترضاء القبائل التي تعيش في الشرق (حول بنغازي) ، بدلاً من الرهان على التهديدات ضد المدنيين . "
كما أنه يشير التقرير إلى أن الهدف المزعوم لتدخل الناتو، " التدّخل الإنساني" ، لحماية السكان المدنيين في بنغازي، تم تطبيقه بيوم واحدٍ فقط، وذلك في 20 مارس 2011 ، ما أدّى بانسحاب قوات القذافي حوالي 40 ميلاً من بنغازي وكان من الممكن وقف تدخل الناتو". إذا السؤال الذي يطرح نفسه بأي ذنبٍ قُتِل؟! هنا أيضًا يجيب لنا التقرير الذي ورد فيه هذه العبارة حرفيا:" فرنسا التي بادرتْ بهذا التدخل العسكري كانت مدفوعة بالمصالح الاقتصادية والسياسية وليست الإنسانية...وشاركت وسائل الإعلام أيضًا بنشر شائعات غير مقبولة حول القذافي والحكومة الليبية ، وخاصة من خلال "قناة الجزيرة التلفزيونية العربية"، لتبرير هذا التدخل العسكري". يختتم بن نورتون بهذه العبارة: "قصف حلف الناتو وغرّق ليبيا في كارثة إنسانية، ما أسفر عن مقتل الآلاف. لقد تحولت ليبيا ، التي كانت ذات يوم البلد الذي يتمتع بأعلى مستوى معيشة في إفريقيا، إلى "دولة مفلسة وهشة" حطمتها الحرب". هذا ليس منّي بل تقرير أوروبي، ومن بني جلدنهم.
هذا وغيره من النضالات التي يطول ذكرها هنا، قٌتل القائد الأفريقي معمّر القذافي، فلا أدري لمنْ يحتفلون بكل من " نلسون مانديلا"، و" توماس سنكارا"، و" غارفي"، و" باتريس لومومبا"، و " جوليوس نييريري"، أنْ يسقطوا القذافي من المعادلة. إنْ لمْ يكن الأول، فإسهاماته للقارة لا تقلّ عن كل من ذكرنا. وهذا الذي يفسر أنّه الزعيم الوحيد الذي كرّم بتقديم إسمه للشوارع والمباني في القارة الأفريقية وهو على قيد الحياة هو معمر القذافي ، كان أفريقيًا أكثر من القارة نفسها ..