ثقافة المقاومة، هي ثقافة بديلة ومضادة، لثقافة الهيمنة والاستعباد وانتهاك حقوق الإنسان وحريات الشعوب، بمعنى أنها ثقافة الحريات والعدالة وكرامة الإنسان والأوطان، وقضية وجودية ترتبط بكينونة الإنسان المقاوم، وبمدى معرفته الواعية للذات وللتحديات التي تواجهه، وبامتلاكه لرؤية تتناسب مع أهداف هذه المقاومة، واليقين بجدواها.
وهي أيضاً، حالة تربوية أخلافية نفسية، لا يكفي في فعلها الهدف النضالي، وإنما لا بد أن يحكمها نظام قيمي وطني وانساني، ولا نعني هنا، قيما وهمية، يصنعها خيال المقاومين، وإنما نعني معاييرها للسلوك الاجتماعي، والتدبير السياسي، ومنظومة قيم على رأسها الحرية، تدعمه وتبرره. إن لثقافة القتال في المقاومة، أخلاقها، ولها قوانينها (المماثلة في القصاص)، كما أن لثقافة اللاعنف قواعدها وأدواتها وخياراتها وبدائلها، والتي ترتقي بالوعي الجمعي.
وقد تحدث إدوارد سعيد، في كتابه (الثقافة والإمبريالية)، عن الثقافة الأوروبية التي بررت طغيان الإمبريالية، ومررت مخططاتها، وقد وقفت ثقافة المقاومة في وجه هذه الثقافة، وأسهمت في تعزيز الوعي المجتمعي، وإيقاظ الحس الوطني والديني لرفض الاستعمار، ومقاومة القهر المسلط على الشعوب.
وفي تجربة استقلال الجزائر، كانت فكرة مقاومة المحتل الفرنسي، هي الأكثر مشروعية وفاعلية. وانحازت قامات فكرية وأدبية وفنية عربية وعالمية، وجماهير عريضة إلى فكرة المقاومة، ونشر الوعي بها، ولجأ كتاب وأدباء عرب إلى تاريخهم وتراثهم الحضاري، ليستقوا منه المدى والروح لمقاومة الاستعمار، وفي ثقافة المقاومة، صدرت المئات من الكتب والإبداعات الأدبية والفنية، وعبر نصف قرن مضى، عمل كتاب وأدباء ومفكرون على الإمساك بمادة المقاومة، ويجادلونها لكي تتطور وتستدام وتبقى .
المقاومة ليست هدفا لذاته، وليست حرفة أو مهنة، أو ثوبا مغشوشا تتدثر به السياسة والمصالح. إنما هي استجابة واعية، لتحديات الواقع والمستقبل، وثقافة المقاومة، هي ثقافة التجاوز، والتي عبر عنها ابن خلدون وتوينبي في فكرة «التحدي والاستجابة» وقد سجل نجيب محفوظ، في روايته (أمام العرش)، والتي استعرض فيها، تاريخ مصر، أن الحكام الذين يستحقون أن يتبوَّؤوا، مقاعد الخالدين في التاريخ، هم الذين استطاعوا فهم أبعاد التحدي الحضاري، داخليا وخارجيا، الذي تواجهه الأمة في عهدهم، ثم استطاعوا إبداع المقاومة الناجحة والاستجابة الناجعة، في مواجهة هذا التحدي