معمر القذافي لم يكن حاكما ولا رئيسا ولا زعيما ولا قائد ثورة محصورة في زمان ومكان بعينهما بل ظاهرة إنسانية وحالة سياسية وفكرية وثقافية عالمية عابرة للحدود والأجيال. ولا يُدرك هذه الحقيقة بلا شك إلا كل من تجرد من مظاهر وأعراض الحصار العقلي والصورة النمطية التي شكَّلها الغرب وأعوانه في أذهان الناس في إطار إستراتيجيته لتشويه معمر القذافي وتسفيه أفكاره ودعواته لضرورة وجود مشروع نهضوي للأمة العربية للخروج من دائرة التَّخلف ومواجهة الاستعمار الجديد والمتمثل في تكريس التبعية للغرب.
ومن سوء طالع معمر القذافي ظاهريًا ومن محاسن الصدف باطنيًا أنه تواجد في زمن مُحاربة الناصرية والسعي الحثيث للغرب وأعوانه لحصارها وتجفيفها وتسفيه شعاراتها الوحدوية والمواجهة للصلف الغربي والعربدة الصهيوأمريكية، فهو من ناحية واجه جيوشا جرارة من الأعداء والخصوم والمضللين الذين أعدوا العدة والعتاد للإجهاز على الناصرية ومحو كل أثر لها، ومن ناحية أخرى شكل القذافي حالة صمود ومقاومة فريدة وصلبة للدفاع عن الناصرية وأهدافها فشكل بذلك حالة منغصة ومنكدة وفاضحة ومذلة للغرب وأعوانه طيلة أكثر من أربعة عقود إلى أن تحقق لهم القضاء على القذافي ودولته في أكتوبر من عام 2011م.
حجم القذافي وحجم العداء له والحقد عليه وكراهيته تجسدت جميعها في كل تفاصيل حملة العدوان على ليبيا منذ فبراير 2011م ولغاية يومنا هذا، من حيث عدد وحجم وقوة من شاركوا في دمار ليبيا والتواطء المعيب لجامعة العرب لشرعنة تدمير بلد عربي وتمكين أعداء الأمة قاطبة من النيل منه وتسليم ليبيا بمقدراتها وشعبها لشرذمة من الأفاقين والمارقين ثأرًا لأنفسهم من معمر القذافي وإذلالًا للأمة العربية لما كان يعنيه القذافي لهم من تحد وكبرياء.
معمر القذافي فصل حزين في تاريخ الأمة المعاصر، فقد عاش الرجل في زمن عربي بلا منطق ولامفهوم للكرامة، وفي زمن يُسفه فيه العرب عروبتهم ويخجلون منها، ويتندرون على قوميتهم ويتطاولون على مصائرهم من وحدة وتضامن وتكامل ويتجاسرون على ثوابتهم بلاخوف ولاخجل.
لقد كان معمر القذافي كالنبي وسط قوم عُصاة وجاحدون ويعيشون على قارعة التاريخ بكل ارتياح، قوم يعتبرون كل ما يحمله القذافي ويدعو إليه من وحدة عربية أو تكامل عربي ومن تحد وكبرياء للاستعمار الجديد خرافة وأسطورة في زمن "نعم" والقضاء والقدر الأمريكي، وسمعنا وأطعنا، رغم تشدقهم في مجالسهم وخلواتهم بمقومات الأمة ومقدراتها وإدراكهم لوحدة مصيرها وعوامل قوتها ووحدتها فأرتضوا لأوطانهم أن تكون دول "سوبرماركت" ومستودع للبضائع الغربية فقط لاغير، وقدموا العلف على الشرف وأعتبروا ذلك من أعظم المنجزات لهم في تاريخهم الحديث.
ولد معمر القذافي عام 1942م، وحكم 42 عاماً بدءًا من الفاتح من سبتمبر 1969م، وحكم وعمره 27 عاماً أي ناتج عملية حسابية بخصم عام مولده من عام حكمه.