قال المحلل السياسي عز الدين عقيل إن المراوغة مازالت مستمرة، تعقيبًا على تغريده بلينكن التي شدد فيها على وجوب خروج المرتزقة الأجانب من ليبيا دون أن يأتي على ذكر مصير المرتزقة المحليين الأشد خطرًا ورعبًا".
وأضاف عقيل أنه من الواضح أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ما يزالان يصران على ممارسة النفاق السياسي ومواصلة الضحك على ذقون الليبيين من خلال رفضهم الولوج إلى السبب الرئيس للأزمة وتعطيل محركها الرئيس، وهو القوى المسلحة المحلية وليس المرتزقة الأجانب.
وتابع أن خروج المرتزقة ليس الأولوية القصوى للعارف بواقع الحال الليبي، ولا هم الخطر الأشد على عودة الاستقرار للبلاد. إن الغرب يصر على تصوير هذا الأمر باعتباره الأولوية القصوى لأسباب لا تتعلق بمصلحة الليبيين، بل تتعلق بصراع المصالح الأجنبية في ليبيا؛ بسبب قدرة المرتزقة على لعب دور مهم بتغليب مصالح الدول التي تملكها على دول أخرى لا تملكها".
وأكد على أن الحقيقة الصارخة هي أن المرتزقة يشكلون نتيجة للنزاع المسلح في ليبيا وليس سببًا من أسبابه، مضيفًا : "فقد جاؤوا كنتيجة لوجود القوى المسلحة المحلية التي جاءت بهم واشترت خدماتهم، وهي التي ما تزال تأويهم وتحميهم وتسيطر عليهم حتى اليوم، حيث إنهم لا يقعون تحت سيطرة الأطراف السياسية المكونة من سياسيي الصدفة والقهرة، بل يقعون تحت سيطرة القوى المحلية المسلحة".
كما رأى أن وجودهم لا يشكل خطرًا مباشرًا على المواطنين وسيادة الدولة بالقدر الذي تشكله الأطراف والجماعات المسلحة المحلية التي يقع هؤلاء المرتزقة تحت سيطرتها الآن، بل إن خطر المرتزقة لا يعد خطرًا أصلًا إلا باعتباره بعدًا اجراميًا إضافيًا للقوى المحلية المسلحة، بحسب تعبيره.
وأردف: "المليشيات يمكنها إعادة جلب المرتزقة حتى لو تم تسفيرهم فعلًا، فطالما وجدت المليشيات المحلية فإن خطري العودة للعنف واستيراد المرتزقة لن ينتهيا أبدًا، كما أن أحدًا لا يعلم أعداد المرتزقة الذين يمكن للمليشيات المحلية أخفاؤهم بحال إخراج المرتزقة ضمن بقاء القوى المسلحة المحلية المتشرذمة، حيث أنه يمكن للمليشيات المحلية وهذا وارد جدًا عدم التصريح أو الاعتراف بوجود أعداد منها، بقصد الإبقاء عليهم لحسابها بالتواطئ مع أصحابها الأصليين".
واستطرد: "عليه، فإن المهم ليس إخراج المرتزقة، بل إن الأشد أهمية هو نزع سلاح القوى المسلحة المحلية وتفكيكها وإعادة تسريح وإدماج مقاتليها، وإعادة هيكلة وتنظيم مؤسستي الجيش والشرطة على أساس جامع".
وشدد على أن الحقيقة الساطعة هي أن إخراج المرتزقة لن ينهي وجود القوى المحلية المسلحة التي هي الأصل والأساس في الدمار الذي تشهده الدولة الليبية منذ العام 2011، حيث أن دمار الدولة ليبيا مستمر وعلى امتداد التسع سنوات السابقة لقدوم المرتزقة الى ليبيا بالصورة الفجة التي وقعت بالعام 2020.
وقال عقيل إن نزع السلاح وتفكيك المليشيات سيؤدي بالمقابل وبصورة تلقائيه إلى هروب المرتزقة وخروجهم من البلاد من تلقاء أنفسهم، حتى بحال لم يتم إخراجهم؛ لأنهم لن يجدوا من يحميهم عندها، ولأنهم سيعرفون منذ انطلاق اللحظات الأولى لعملية النزع والتفكيك والتسريح بأن الجيش والشرطة الذين سيحلان محل المليشيات سيقومان بالقبض عليهم ومحاكمتهم على الجرائم التي قاموا بارتكابها".
وتابع إن أمراء الحرب أنفسهم سيطالبون بترحيل المرتزقة كأول إجراء بعملية النزع والتفكيك والتسريح، وذلك ليمنعوا تورطهم بعواقب التحقيق مع المرتزقة الذي سيتطرق حتمًا لأسمائهم. بحال استغفلوا وسمحوا بترك المرتزقة إلى مرحلة ما بعد النزع والتفكيك، ولعله بات واضحًا من التحليل أن الولايات المتحدة وشركاءها الغربيين سيظلان يعملان تحت واقع ممارسة النفاق السياسي، ما لم يغيرا اولويتهما من طرد المرتزقة إلى نزع سلاح الميليشيات المحلية وتفكيكها وإعادة هيكلة الجيش والشرطة، باعتبار أن الدعوة لهذه الأولوية وتنفيذها هما الذين سيؤديان إلى خروج المرتزقة كنتيجة طبيعية لهذه العملية".
وبشأن المطالبة بخروج المرتزقة اعتبر أن هذه المطالبة مبطنة برغبة الإبقاء على المليشيات، والهدف منها ليس مصلحة الليبيين البتة، بل منع الدول التي تملك مرتزقة بليبيا من تحقيق مصالحها من خلال مرتزقتها على حساب دول أخرى، من بينها أمريكا وأوروبا، بحسب تعبيره.
وأضاف أن كان هناك الآلاف من المرتزقة المتورطين في النزاعات المسلحة في سيراليون وأنجولا ورواندا والكونغو والبلقان ولبنان، وهؤلاء جميعًا لم يتم تنظيم خروجهم بصورة مستقلة كما يحاول الغرب الظالم بليبيا اليوم. بل خرجوا ضمن اتفاقات سلام تلك الدول التي كان أساسها نزع السلاح وتفكيك المليشيات، ومسجل أن اغلب المرتزقة فروا بمجرد انطلاق تنفيذ برامج النزع والتفكيك، وغالبًا ما يلتحقون بنزاعات مسلحه أخرى أو تنقلهم إليها الشركات العسكرية التي يعلمون لحسابها، أو يتحولون للعمل مع العصابات أو يختفون بالانخراط بأعمال غير مسلحة".