كشف تقرير ديوان المحاسبة ، عن تقريره عن العام 2019 والذي ظل محجوبًا لسنوات، متضمنًا وقائع فساد ومخالفات وإهدار للمال للعام بمصرف ليبيا المركزي.
وأظهر التقرير، استمرار مباشرة مصرف ليبيا المركزي نشاطه اعتمادا على الإدارة العامة بطرابلس فقط، مع توقف كافة أشكال الاتصال والتواصل أو تبادل البيانات أو توجيه العمليات المصرفية مع فرع بنغازي الأكثر عمليات مصرفية بعد الإدارة العامة، إضافة إلى توقف نشاط فرع سبها وسرت أيضا، نتيجة للأوضاع الأمنية، مشيرا إلى أن حالة الانقسام انعكست على مجلس الإدارة الذي لم يجتمع منذ العام 2014م، وهو ما أثر على سير نشاط عمليات البنك.
وأوضح التقرير، أن متابعة حركة تحويل المبالغ بین الحسابات المصرفية الرئيسية للإيرادات والمصروفات بمصرف ليبيا المركزي بينت عدم وجود تسلسل تاريخي واضح يمكن من خلاله إعمال الفحص والمراجعة للمبالغ الواردة للحسابات المصرفية مما أدى إلى عدم حفظ وأرشفة أذونات الصرف والصكوك المخصومة المتعلقة بتنفيذ الترتيبات المالية وضياع العديد منها.
وكشف تأخر تنفيذ معظم أذونات الصرف الصادرة من إدارة الخزانة بوزارة المالية وإخضاع بعضها لموافقة المحافظ قبل التنفيذ مما يزيد من التباطؤ في تمرير المعاملات مع عدم مراعاة الأولوية حسب الوارد من إدارة الخزانة.
وأظهر قيام إدارة العمليات المصرفية بترجيع معاملات الإدارة الخزانة بوزارة المالية بعد أشهر من استلامها بدلا من ترجيعها في نفس الوقت مما يؤثر على سير تنفيذ الترتيبات المالية حيث بلغت قيمة المعاملات المرجعة على حساب الباب الثاني بموجب الرسائل الصادرة عن مدير إدارة العمليات المصرفية مبلغ 300.716.703 دينار.
وأشار إلى قيام المصرف بتجزئة بعض المعاملات الخاصة بالعلاج بعد خصمها من الحسابات الرئيسية الوزارة المالية والاحتفاظ بها في حسابات وسيطة مما يؤدي إلى عدم تتطابق بيانات الحساب الجاري بين وزارة المالية والجهات المستفيدة.
ورصد عدم وجود ختم إدارة العمليات المصرفية بما يفيد التنفيذ على أذونات الصرف المنفذة، وكذلك عدم مسك سجل تسليم أذونات صرف بشكل دقيق، إلى جانب وجود حسابات مصرفية لا تحتوي على مبالغ مالية رصيدها صفر مما يتطلب اتخاذ الإجراءات القانونية حيالها بإقفالها، ووجود حسابات مصرفية قديمة خاصة بوزارة المالية عليها حركة سحب وإيداع خلال الفترة خارج الترتيبات المالية، مع عدم تسوية سلف الخزانة العامة على المصرف من خلال استعمال الحسابات المعلقة التي تم فتحها خلال فترات سابقة وبها مبالغ مخصومة ومنفذة بدفاتر بوزارة المالية، مشيرًا إلى استمرار ظاهرة استخدام أسعار تقييم إيرادات العملات الأجنبية بالدينار الليبي بأسعار مخالفة للأسعار الواردة بالنشرة اليومية وضياع فرص تحقيق الإيرادات على الخزانة العامة رغم تنبيهات الديوان للمصرف أكثر من مرة.
وعن السياسة النقدية، لفت إلى أنه غابت عن المصرف كافة أدوات السياسة النقدية مما ترتب عليه فقدان دوره المهم والاستراتيجي في تحقيق الاستقرار الاقتصادي بالدولة وبالرغم من انه يوجد بالمصرف لجنة عليا معنية برسم وتفعيل السياسة النقدية إلا أنه لم يتم إطلاع الديوان على أي من محاضرها بالرغم من طلبها بموجب مخاطبة كتابية من لجنة الفحص موجهة لمدير مكتب المحافظ في 2020، وحتى إعداد التقرير لم يتم موافاة الديوان بذلك.
وبشأن سياسة إدارة النقد المحلي، أظهرت بيانات المصرف رصيد التداول مع نهاية العام 2019م، بنحو 39.047.666.450 دينار، ولاحظ تزايد التداول خلال ست سنوات عن سنة الأساس 2013م بنسبة (62%)، بالرغم من أن هذه البيانات لا تشمل قيمة العملة التي تمت طباعتها بدولة روسيا من قبل المركزي الموازي وتقدر قيمتها بنحو 12 مليار دينار والتي أصبحت أمرًا واقعًا من حيث التأثير في آليات السوق وبالتالي الاقتصاد الكلي للدولة.
واستنتج التقرير من هذه البيانات أن الأرقام الواردة تعطي مؤشرا على الطلب المتزايد من قبل العملاء في سحب مدخراتهم تحسسًا منهم للمخاطر العالية في بقاء مدخراتهم بالمصارف وعدم ثقتهم بإمكانية استعمالها عند الحاجة إليها، وكذلك عدم وضوح خطة المصرف في التعامل مع حجم النقد المعروض للتداول وآليات إرجاع النقد المخزن لدى المواطنين للمنظومة المصرفية، بالإضافة إلى إجراءات المصرف المركزي بشأن دعم وتوسيع حجم التعامل الإلكتروني ومعالجة أزمة السيولة التي يعاني منها المواطن، كما لم يتضح إعداد أي دراسات حول وضع العملة المتداولة منها ومدى الحاجة لاستبدالها.
وكشف استمرار المصرف المركزي بفرعيه (طرابلس والبيضاء) في طباعة العملة دون وجود سياسة واضحة في إدارة النقد المحلي خصوصا مع عدم وجود أثر لضخ السيولة على عجلة الإنتاج المحلية مما يزيد من معدلات التضخم، خصوصا أن زيادة قيمة عرض النقود، يقابله الارتفاع العام في الأسعار وانخفاض قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية الأخرى، فضلا عن تكلفة طباعة العملة التي تتراوح ما بين (9 – 5) مليون جنيه إسترليني لكل ملیار دینار.
ونوه بأن كل العملة المطبوعة ما بعد العام 2014م تمت دون الحصول على موافقة مجلس إدارة المصرف المركزي باعتباره الجهة المختصة في اعتماد إجراءات طرح إصدارات جديدة كما أنها تتم بالتكليف المباشر وعدم طرح العطاء في مناقصة عامة أو محدودة.
ورصد غياب التنسيق والتكامل عند اتخاذ قرار زيادة عرض النقد مع سياسات الحكومة الاقتصادية الأخرى التي تتأثر أو تؤثر مجتمعة في الوضع الاقتصادي على المستوى الكلي، إضافة إلى تركز رصيد النقد في التداول بالدرجة الأولى الصادر من الإدارة العامة طرابلس من خلال الخزينة الفرعية ومن ثم إلى المصارف التجارية بالمنطقة وإدارة العمليات المصرفية، حيث تظهر نسبته من الإجمالي العام (51.8 %) وإصدار فرع سبها وبنسبة (21 . 7 %) وتظهر سالبة لفرعي بنغازي ومصراتة وهو مؤشر عن أن العملة الواردة أكبر من الصادر عن هذه الفروع.
وأظهرت أرصدة العملات رصيد العملة الورقية المحلية في تاريخ 31 ديسمبر 2019م، موزع بخزائن مختلف الفروع بنحو 2.375.591.000 دینار، حيث يتركز الجانب الأكبر منه بخزينة إصدار فرع طرابلس بنحو 1.575.050.000 دينار.
ولاحظ وجود ثبات في رصيد العملة المحلية بخزائن الإصدار خلال الأربع أرباع السنة من العام 2019م، باستثناء الربع الثالث الذي شهد انخفاضا بنحو مليار دينار تقريبا، مقارنة بباقي أرباع السنة، ونتيجة لقيام المصرف بتوريد عملة محلية من دار الطباعة بلندن خلال الربع الرابع وبنحو 1.024.000.000 دينار ليبي، رجع رصيد الإصدار إلى الحدود الظاهرة في الربعين الأولين، وكذلك مقارنة مع الوضع القائم في العام 2018، حيث لم ينخفض رصيد الإصدار من العملة المحلية خلال الأربع أرباع عن مبلغ 2.4 مليار دينار تقريبا.
ووجد أن هناك أرصدة غير متحركة بخزائن إصدار كل من فرع بنغازي وسرت، بالرغم أن رصيد فرع بنغازي ورد مرحلا من سنوات سابقة نتيجة للانقسام السياسي، وبالتالي فإن الرصيد المذكور لم يعد حقيقيا، كما أن فرع سرت بعد متوقف عن النشاط ورصيده يظهر مرحل هو أيضا من السنوات المالية السابقة.
وعن سياسة إدارة النقد الأجنبي بلغ إجمالي الإيرادات النفطية بالعملة الأجنبية (الدولار الأمریكی) خلال سنة 2019م ما قيمته 22.490.700.000 دولار تقريبا في حين بلغ إجمالي المصروفات لذات السنة ما قيمته 24.601.700.000 دولار تقريبا، مما يعكس عجزا في ميزان المدفوعات بنحو 2.111.000.000 دولار تقريبا مما يتأثر الاحتياطي من النقد الأجنبي بالسلب.
وكشف أن مبيعات النقد الأجنبي لمختلف مؤسسات الدولة الحكومية تمثلت في شكل اعتمادات مستندية وحوالات خارجية، حيث لم تخضع هذه المبيعات إلى الرسوم المفروضة من قبل المجلس الرئاسي، وقد بلغ ما قيمته 6.863.434 مليون دولار وفق الكشف المقدم من إدارة الحسابات بالمصرف.
ولاحظ أن عمليات بيع النقد الأجنبي لم تخضع إلى دراسات وخطط مسبقة، وإنما اعتمدت بالدرجة الأولى على حجم النقد الأجنبي المتحصل عليه نظير مبيعات النفط الخام، الأمر الذي جعل من أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدينار الليبي رهينة لحجم مبيعات النفط الخام.
وأظهرت أرصدة الجرد السنوي لمخزون المذهب النقدي، بالكميات فقط وهو ما اعتاد عليه المصرف في كل سنة مالية، إلا أن القيمة الدفترية المقابلة للكميات الموضحة بالجرد السنوي تظهر مقومة بحسابات الإسناد العام وميزان المراجعة المرفق بالقوائم المالية للمصرف، هذا ويتضح من خلال ذلك أن الرصيد الفعلي من مخزون الذهب يظهر مقوما بأسعار تاريخية، ولا زال رصيده يرحل من سنة مالية إلى أخرى دون وجود أي حركة أو إعادة تقييم بالخصوص.
وفي مجال المساهمات الخارجية أظهرت عمليات الفحص والمتابعة مساهمة المصرف في بعض الاستثمارات الخارجية، ولاحظ التقرير ضعف وحدة المساهمات والقروض في متابعة مساهمات المصرف، وذلك من خلال افتقار ملفات المساهمات الخارجية إلى المستندات والبيانات والتقارير الدورية الضرورية من ممثلي المصرف لدى المساهمات الخارجية، والقوائم المالية لتلك المساهمات، الأمر الذي يصعب معه متابعة أوضاع تلك المساهمات وتقييم أوضاعها والجدوى الاقتصادية لها.
وأفاد أن رصيد احتياطي بند المساهمات الخارجية في 31 الكانون/ديسمبر 2019م، بلغ 2.192.488.320 دینار، في حين بلغ رصيد مخصص تدني المساهمات الخارجية كما في 31 ديسمبر 2019م، ملغ 300.000.000 دینار .
أما فيما يخص المساهمة في المؤسسات الدولية فإن المصرف قام بتکوین احتياطي بمبلغ 138.000.000 دينار وهو نفس الرصيد السنة 2018م .
وظهر رصيد العوائد المحققة من المساهمات الخارجية للمصرف في ديسمبر 2019م، مبلغ 85.003.032 دینار، يمثل توزيعات أرباح من المساهمات نتيجة نشاطها خلال سنة 2018م، في حين بلغ ذات البند في 31 الكانون/ديسمبر 2018م، مبلغ 183.600.056 دينار بانخفاض قدره 98.597.023 دینار.
ومن خلال الفحص والتقييم تبين عدم اعتماد السياسة الاستثمارية المطبقة بالمصرف والذي قد يعرض أموال المصرف المستثمرة للمخاطر المختلفة، الأمر الذي يعد مخالفة لنص الفقرة (3) أولا من المادة (18) من قانون المصارف، وعدم قيام إدارة الأسواق المالية بإعداد تقارير نشاط خلال سنة 2019م، عن حجم توظيفات الأموال، بحيث ترفع إلى لجنة الاستثمار والمخاطر ومن ثم يتم دراستها لتقدير حجم المخاطر المرتبطة بها، وعدم وجود خطة استراتيجية لإدارة الأسواق المالية عن سنة 2019م.
ورصد أن عملية اتخاذ القرار بالاستثمار في شراء السندات والودائع تتم من طرف إدارة الأسواق المالية بشكل فردي، دون إشراك باقي الإدارات الأخرى منها على سبيل المثال إدارة المخاطر.
وفيما يتعلق بالودائع، كشف الفحص غياب الشفافية في عمليات ربط وتجديد الودائع التي تقوم بها إدارة الأسواق المالية بالمصرف، بالإضافة إلي عدم وجود آلية أو ضوابط يتم تحديد المصارف التي يتعامل معها المصرف، حيث تركت للتقديرات الشخصية من قبل موظفي إدارة الأسواق المالية، والذي قد يعرض أموال المصرف المستثمرة للمخاطر.
كما رصد غياب واضح للسياسة الاستثمارية وخاصة في تحديد أسقف حجم المبالغ المستثمرة لدى المصارف التي يتعامل معها مصرف ليبيا المركزي، وقد لوحظ تجاوز حجم الودائع لدى أحد المصارف مبلغ 9 مليارات دولار في حين بلغت حجم الودائع في بعض المصارف الاخرى لم يتجاوز 100 مليون دولار.