سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على الوضع الحالي في ليبيا، لا سيما ما يتعلق بالجنرال المتقاعد خليفة حفتر، الذي تلقى مؤخرا هزائم كبيرة على يد قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، كاشفة عن زيارات متكررة لمقربين من حفتر أجروها إلى العاصمة الفنزولية كاراكاس.
وقالت "لوموند" في تقرير لها: إن "طائرة فالكون- 900 من طراز P4-RMA هبطت في الساعة الثامنة مساء يوم 7 يونيو/ حزيران 2020 في مطار سيمون بوليفار مايكيتيا بكاراكاس قادمة من مدينة بنغازي الليبية".
وأضافت: "وصول هذه الطائرة الخاصة إلى العاصمة الفنزويلية جذب على الفور انتباه خدمة فلايت تراكنك التي تراقب الرحلات الجوية. وأكدت أن الطائرة التي حطت في المطار يستخدمها عادة خليفة حفتر، الذي يشن حربا منذ أربعة عشر شهرا، ضد حكومة طرابلس المعترف بها دوليا".
وتساءلت الصحيفة: ماذا تفعل "فالكون حفتر" على الجانب الآخر من العالم في بلد "الثورة البوليفارية" التي تواجه عقوبات أميركية؟ مشيرة إلى أن زعيم المعارضة الفنزويلية خوان جوايدو، نشر هذه الأخبار على الفور، ولكن بشكل مقتضب، لكن هذه المعلومات لم تثر أي جدل محليا.
وتابعت: إن "فنزويلا بقيادة الرئيس نيكولا مادورو، التي يعاني اقتصادها من انهيار، معتادة على هذه الزيارات من مجموعات من التجار والوسطاء لتقديم خدماتهم بهدف التحايل على عقوبات واشنطن".
من يستقلها؟
الصحيفة الفرنسية أوضحت أن المشير الليبي لم يكن على متن الطائرة، وهذا أمر طبيعي في رحلة على الأقل غير رسمية، إن لم تكن سرية، لكن وصل إلى فنزويلا اثنين من حاشيته المقربين.
ونقلت عن مصدر ليبي قوله: الطائرة كانت تحمل نجله الصديق حفتر إضافة لأحد معاونيه وهو ضابط الطيران، المدني الفخري الرئيس السابق لـ "لجنة الاستثمار العسكري" الموكل بإدارة الشؤون الاقتصادية والمالية في برقة (شرق ليبيا)، المعقل الإقليمي لحفتر.
وأشارت الصحيفة إلى أن "فلايت تراكنك" رصدت في 24 أبريل/ نيسان 2020 كذلك، نفس الطائرة في كاراكاس، مؤكدة أن رصد رحلتين بين ليبيا وفنزويلا في شهر ونصف فقط ليس بالأمر الهين.
وبحسب "لوموند" فإن طائرة فالكون عادة ما يكون مقرها في بنغازي، وهي في الواقع مملوكة لشركة مقرها في الإمارات العربية المتحدة تدعى "SIPJ-Sonnig " ويديرها ريكاردو مورتارا، مواطن إيطالي - سويسري كان لفترة طويلة طيارا شخصيا لألفريد سيرفن، المتهم البارز السابق في قضية شركة "ألف آكتين" النفطية.
"معاناة المشير"
وكشفت عن أن "طائرة حفتر توجهت إلى كاراكاس من أجل الذهب وهو مورد تبيعه فنزويلا لدعم خزائنها، حيث حملت ما يقارب من طن ونصف الطن من الذهب بقيمة 70 مليون دولار (62 مليون يورو)".
وبخصوص اختيار الذهب دون غيره، قالت: إنه "وفقا لسيناريو أثاره العديد من المراقبين، فإن المعدن الذي حملته فالكون سيتم تكريره في إفريقيا، خاصة في مالي، حيث دفع ازدهار صناعة الذهب البلاد إلى المرتبة الإفريقية الثالثة".
وأكدت "لوموند" أنه "سيتم بعد ذلك نقل السبائك إلى دبي لخدمة مصالح حفتر، من خلال دائرة لم يتم تحديدها بوضوح بعد، ومع ذلك، فإن فرضية الذهب هذه ليست حصرية للمعاملات الأخرى القائمة بين حفتر وكاراكاس، ولا سيما في المسائل النفطية".
وأشارت إلى أن هذه الصفقة ترتبط بالوضع المالي الهش الذي يعاني منه المشير، فبحسب ناجي أبو خليل، الباحث بمعهد "نوريا" والخبير الأممي السابق بالملف الليبي فإنه "يبدو أن قوات حفتر تتجه أكثر فأكثر إلى وسائل بديلة للتمويل للحفاظ على بقاء الكيان السياسي العسكري الذي يرأسه المشير وتمويل قواته لعشرات الآلاف من الرجال، بما في ذلك آلاف المرتزقة".
وأضاف الباحث: "أن المخاطرة كبيرة، وتتضح بشكل خاص من خلال الرحلات الجوية إلى كراكاس أو عقود النفط مع شركة إيمو، التي تشير إلى خطورة الوضع الذي يجد حفتر نفسه فيه اليوم".
تخلي واشنطن
من جهتها، أشارت صحيفة "ليبراسيون" إلى أن صراع طرابلس بين قوات كل من حفتر والوفاق الليبي بقيادة فايز السراج سيؤدي إلى تدويل الصراع الليبي، موضحة أن كلا من المعسكرين المعنيين يعتمد بشكل كامل على حلفائه عسكريا ودبلوماسيا.
وشددت على أنه سواء كان هذا الدعم رسميا، مثل أنقرة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، أو أكثر أو أقل سرية، مثل الدعم الذي يقدمه الروس أو المصريون أو الإماراتيون أو الفرنسيون لحفتر، أصبح ضروريا للمقاتلين.
ونوهت الصحيفة إلى أن الهزيمة العسكرية للمشير في طرابلس ستعدل الأوراق لكلا الطرفين وفقا لمصالحهم. وألمحت أن واشنطن قد تكون قررت التخلي عن حفتر.
ونقلت "ليبراسيون" عن مصدر دبلوماسي القول: الأميركيون اعتبروا أن حفتر تجاوز الخط الأحمر حين استقدم طائرات حربية روسية إلى ليبيا، وحينها أعلن الأميركيون لأصدقائهم الإماراتيين والمصريين أن كل شيء انتهى".
وبحسب المصدر الديبلوماسي ذاته، فإن روسيا هاجس واشنطن التي تبدو أقل تشددا فيما يخص الأتراك الذين تعتبرهم حلفاء مهمين داخل الأطلسي.
وذكرت "ليبراسيون" أن واشنطن لديها حلفاء داخل المعسكرين المتنازعين على الأرض الليبية أي أنقرة غربا والقاهرة وأبوظبي شرقا. وخلصت إلى أن "القوة الأميركية قد تجد نفسها مجددا، بالرغم من تراجعها، في دور الحكم على الساحة الليبية".