فورين بوليسي: التدخل الأمريكي في ليبيا 2011م خلق فراغًا أمنيًا ملأته جحافل الميليشيات المسلحة والمرتزقة والقوى الإقليمية
تزامنًا مع الذكرى العاشرة لعملية “فجر الأوديسا” كما سمتها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تم إطلاقها عقب قرار مجلس الأمن الدولي ضد الجماهيرية العظمى رقم 1973 بتاريخ يوم الخميس 17 الربيع/مارس 2011م لفرض حظر طيران جوي على ليبيا وتنظيم هجمات مُسلحة ضد القوات الليبية الجوية لإعاقة حركتها ومنعها من التحليق في الأجواء الليبية، أكد تقرير أمريكي أن التدخل العسكري في ليبيا عام 2011م، والإطاحة بالنظام الجماهيري أدى إلى دخول المنطقة في عقد من الفوضى وقوض ثقة الولايات المتحدة في حكمة استخدام القوة العسكرية لما تزعم أنه لإنقاذ الأرواح.
وذكر تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية،نقلا عن “أوج”، أن تكلفة المغامرة التي قادتها الولايات المتحدة في شمال إفريقيا عام 2011م نمت بشكل كبير في العقد الذي أعقب قيامها باستصدار القرار 1973 من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2011م، الذي سمح باستخدام القوة في ليبيا.
وبين التقرير أن جحافل من الميليشيات المسلحة والمرتزقة الأجانب والمتطرفين الإسلاميين والمتاجرين بالبشر والقوى الإقليمية والدولية ملأت الفراغ الأمني في ليبيا وحولوها إلى أكبر مصدر في المنطقة لعدم الاستقرار والفوضى، منوهًا بأن ذلك أسفر عن مقتل السفير الأمريكي السابق في ليبيا جون كريستوفر ستيفنز وثلاثة مواطنين أمريكيين آخرين، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الليبيين، لافتًا إلى أن صناع السياسة الأمريكية وصفوا تلك الخطوة بأنها أزمة حزينة تتكشف خارج نطاق مصالح الولايات المتحدة الحيوية.
وأردف بأن ليبيا أصبحت ساحة للقوى الإقليمية المتنافسة التي تسعى لملء الفراغ الذي خلفه اغتيال معمر القذافي، مما أدى إلى تأليب قطر وتركيا حليفة الناتو ضد مصر وروسيا والإمارات في حرب بالوكالة أدخلت معدات عسكرية متطورة إلى البلاد، واستقطاب أكثر من 20 ألف مقاتل أجنبي ومتعاقد أمني خاص من عدة دول، بما في ذلك تشاد وسوريا والسودان وروسيا.
ورأى أن تفكك ليبيا أصبح يُرمز به للأمريكيين لحماقة التدخل العسكري في البلدان البعيدة، مضيفًا: “لقد قوض هذا التدخل قضية التدخل الإنساني على مستوى العالم ولا يزال تطارد كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين والحاليين، الذين شوهت ليبيا بعضًا من حياتهم المهنية، كما ظهر كاختبار لإرادة إدارة بايدن لتأكيد القيادة الدبلوماسية الأمريكية في أزمة ساعد العديد من كبار مستشاريه على إطلاقها قبل عقد من الزمان”.
وأشار إلى ستيفاني ويليامز، الخبيرة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية بشؤون شمال إفريقيا، والتي عملت حتى الشهر الماضي كممثلة خاصة للأمم المتحدة بالإنابة في ليبيا تعتقد أن المشاركة الدبلوماسية الأمريكية رفيعة المستوى في ليبيا يمكن أن تساعد، موضحة في رسالة للإدارة الأمريكية “أنا بالتأكيد أفهم التاريخ، ومن الناحية الجيوستراتيجية، أعتقد أن ليبيا مصلحة حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة، وإذا تجاهلت ذلك فعلى مسؤوليتك”.
ونقل التقرير عن ريتشارد جوان، ممثل مجموعة الأزمات الدولية في الأمم المتحدة، قوله إن التدخل في ليبيا كان في الوقت نفسه نقطة الذروة ونوبة الموت للتدخل الإنساني، فيما قال جيفري فيلتمان الذي شغل منصب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى أثناء غزو ليبيا لـ”فورين بوليسي”: “إذا كنا نواجه وضعًا من النوع الليبي اليوم، أعتقد أنه سيكون من الصعب للغاية اتخاذ نفس القرار مثل عام 2011م”.
وأشار إلى خطاب ألقاه وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين في 3 الربيع/مارس، أكد فيه اتباع نهج أكثر حذرًا بكثير، قائلا “لن نشجع الديمقراطية من خلال التدخلات العسكرية المكلفة أو بمحاولة الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية بالقوة، لقد جربنا هذه التكتيكات في الماضي، لقد أطلقوا سمعة سيئة على ترويج الديمقراطية، وفقدوا ثقة الشعب الأمريكي، سنفعل الأشياء بشكل مختلف”.
وبحسب التقرير، يشعر الخبراء بالقلق من أن تفكك ليبيا قد دفع صانعي السياسة في واشنطن إلى الابتعاد عن البلاد، عندما يمكن أن تستفيد من دعم الولايات المتحدة لعملية انتقال سياسي دقيقة، وقال فيلتمان، الذي أشرف على السياسة تجاه ليبيا بصفته وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، “هناك حساسية تجاه ليبيا، فالولايات المتحدة لا تركز عليها كما ينبغي، على الرغم من أن ليبيا يمكن أن تكون فرصة”، داعيًا إلى دور أمريكي أكثر أهمية في دعم عملية السلام في ليبيا