اهم الاخبار

منصات جماهيرية.. "مابين نبع السلام ودرع الربيع" ..ناجي بدر

أرشيفية
بقلم : 06 مارس 2020

هل سقط الدرع مبكرا من يد السلطان ؛وإنتهى الربيع قبل أن يكتمل ؟!.

هذا مايبدو من إتفاق موسكو الموقع اليوم الخميس بين روسيا وتركيا ، الذي نص على وقف إطﻻق النار في إدلب ؛وفتح ممر آمن ؛ وتسيير دوريات روسية -تركية مشتركة في المنطقة .

محللون وصفوا اﻹتفاق بأنه (إتفاق حفظ ماء الوجه ) بخاصة للرئيس التركي الذي كان قد أطلق تهديدات كبيرة للدولة السورية ورئاستها ؛ معتبرا إياهما أهدافا مشروعة للقوات التركية ردا على مقتل جنوده اﻷسبوع الماضي داخل اﻷراضي السورية قرب إدلب .
بعد عصر اليوم ،كنت في أحد محﻻت طرابلس الخاصة بالمواد الغذائية ،وقد تصادف ذلك مع أخبار لقاء بوتين -أردوغان بموسكو تبثها قناة البي بي سي الناطقة بالعربية في الجهاز المرئي المثبت على حائط من حوائط المحل خلف الصراف .
علق الزبون الواقف أمامي وهو رجل خمسيني يرتدي بدلة رياضية ، قائﻻ وهو يضع حصيلة مشترياته من علب الحليب وأكياس الدجاج المجمد أمام الصراف :

( ﻻد ﻻد ،ومشي للروس يحب يكره .ﻻعاونه نيتو وﻻ ترمب ).
ظل الصراف منهمكا في تمرير المشتريات على حاسبته اﻻلكترونية ،دون إبداء إهتمام بتعليق الزبون . وصمتت بدوري قامعا إبتسامة رضا غافلت صمتي (!).

في المساء ،تابعت المؤتمر الصحفي للرئيسين ،وحينما كان أردوغان يتحدث مشيدا بعمق عﻻقات بﻻده بروسيا و"عدم السماح للنظام السوري بإفسادها " ،تردد في داخلي صوت ذلك الرجل الليبي الخمسيني؛ وكأنه يفك سرا ماورائيا في كﻻم صاحب الباب العالي .

قبل أسبوع ..صباح يوم الجمعة الماضية تحديدا ،إستبق وزير خارجية لوكسمبورغ الموقف الرسمي للناتو في إجتماعه ببروكسل لبحث طلب أنقرة دعمها في أدلب .وقال في مؤتمره الصحفي بموسكو مع نظيره الروسي :
(انقرة لم تقم بعمليتها العسكرية في أدلب بموافقة الحلف ) .

إنعقد إجتماع الحلف ؛وإنفض كأي إجتماع مجاملة سياسية . كيف ﻻ !.استنجدت انقرة بالناتو ، وهي التي استفزته مرارا بالتوجه شرقا ؛ متمردة على وظيفتها التي من أجلها حصلت على عضويته في إطار استراتيجية مواجهة موسكو التي أرساها "مبدأ إيزنهاور "منذ اواخر عقد أربعينيات القرن الماضي ،حتى أنها هددت باﻹنسحاب من الحلف .
التخبط السياسي الذي تعيشه تركيا في هذه المرحلة ،أوهمها بأنها قادرة ومؤهلة على تحديد المسافة بينها وبين الحلف إبتعادا وإقترابا متى شاءت ،وأنها قوة عظمى في محيطها اﻹقليمي ﻻيمكن للحلف أن يشق لها عصا طاعة (!).
حسابات الحلف يحددها الكبار ،والكبار ليسوا في وارد الصدام المباشر مع روسيا .الصدام وارد ،لكنه مؤجل ولم تحن لحظته بعد .وعندما تحين فمن أجل مصالح الغرب أوروبيا وأمريكيا اﻹستراتيجية،ﻻ من أجل مغامرات عضو فرضته ضرورات جيوسياسية ﻻغير !.

ومن بروكسل ،إتجهت انقرة إلى واشنطن بحثا عن دعم إستحال عليها في اﻷولى ،فتوهمت أن تجده لدى الثانية وهى المتحكمة في اﻻولى والموجهة لبوصلتها العسكرية .
ولم تكتفي بطلب الدعم السياسي ،بل طلبت منظومة الباتريوت للتصدي للطائرات الروسية .لكن واشنطن ليست مصابة بالزهايمر، حتى تنسى أن أنقرة تباهت قبل شهور برغبتها في إقتناء منظومة ال S400 الروسية ؛ كخطوة على طريق إستبدال سﻻحها الغربي بالروسي قد ينتهي بتغيير عقيدة جيشها العسكرية !.

وبموازة ذلك ،عادت حليمة التركية إلى عادتها القديمة .. ورقة المهاجرين السوريين ،لتلعبها مجددا ضغطا على اوروبا ،كما لعبتها عندما شنت عمليتها العسكرية في الشمال السوري اواخر العام الماضي 2019 .
لم ترضخ أوروبا ،وهذه المرة قادت اليونان قاطرة حرق الورقة التركية .وﻷثينا أسبابها في إقتناص فرصة التصدي ﻷنقرة ،وأحدثها النزاع على مكامن غاز شرق المتوسط واﻹتفاقية التركية مع حكومة الوفاق بالخصوص .
سعت انقرة لتدويل معركة إدلب .إجتمع مجلس اﻷمن .باعها المندوبون كثيرا من الكﻻم في ثرثرتهم السياسية .بدا نيبينزيا غير مكترث ؛هادئا على غير العادة .حاججهم الجعفري بالوثائق ؛واﻷهم بأن إدلب أرضا سورية وليست تركية .
إنتهى اﻹجتماع إلى ﻻشيء .وهم تركي آخر ،يسقط !.

نجح الدب السيبيري في ترويض السلطان الجريح ،فحدد موعدا للقاء كان قد جعله رهين المماطلة والتأجيل .
فهل حقا عادت انقرة صاغرة لحضن موسكو ؟!.

عقب اﻹعﻻن عن إتفاق موسكو مساء اليوم ،رشحت معلومات عن قيام انقرة بنقل مجموعات مسلحة تابعة لها إلى شمال سوريا ، في محاولة جديدة للقيام بعملية عسكرية للسيطرة على مدينة عين العرب "كوباني " .
في ضوء هذه المعلومات ،فسر محللون التأكيد التركي خﻻل مؤتمر موسكو الصحفي ؛وجود "جماعات إرهابية في الشمال السوري " . الهدف قوات "قسد " الكردية ،وعود على بدء إلى عملية "نبع السﻻم " !!.
الرسالة -كما يقولون - موجهة للداخل التركي ﻹحتواء الغضب المتزايد من المغامرات العسكرية الخارجية ،ذلك أن مواجهة المسلحين اﻷكراد مسألة تحظى بشبه إجماع وطني .
إذا صح ذلك .. هل هو صفقة تحت الطاولة جذبت انقرة المتخبطة للقبول باﻹتفاق حول إدلب ؛وحفظت للجميع ماء الوجه ؟!.